ملاحظات حول تاريخ المقاومة ، بقلم : الباحث والدبلوماسي محمد ولد كلاي
المجاهد امحمد ولد بهناس ، أحد أبطال معركة تجكجة المنسيين

بسم الله الرحمن الرحيم
ملاحظات حول كتابة تاريخ المقاومة
بدأت في السنوات الأخيرة بعض جهود الاعتناء الرسمية والشعبية بالمقاومة الوطنية، ونفض الغبار عن تاريخها في التصدي للمستعمر الفرنسي في بلاد شنقيط؛وفي هذا الإطار يلزم التنويه بدور الرابطة الوطنية لتخليد بطولات المقاومة ، في هذا الجهد النبيل الذي يمثل نوعا من بر الأحفاد بالأجداد ووصلا للحاضر بالماضي برمزية مجده التليد، وهذا شرط النهوض والبناء الحضاريين.
بيد أن كتابة تاريخ المقاومة ينبغي أن تكون موضوعية واستقصائية وغير انتقائية.
ولعل من أهم شروط كتابة تاريخها مايلي:
١-الاستقصاء في جمع المعلومات التاريخية المتعلقة بالمقاومة بروايتيها الوطنية والاستعمارية ؛
٢-الابتعاد عن التعتيم التاريخيّ والانتقائية والذاتية في تدوين تاريخ المقاومة؛
٣-الانطلاق من كون المستعمر عدوا ، يقرأ الأحداث ويسجلها برؤيته وروايته انطلاقا مما يخدم مصالحه ؛
٤-الرعاية الرسمية لمجهود كتابة تاريخ المقاومة من خلال تشكيل لجنة من ذوي الخبرة والكفاءة من أجل صياغة رواية موريتانية جامعة لتاريخ المقاومة تراعي ماسبق من شروط منهجية وموضوعية.
وقد دار جدل ساخن مؤخرا حول : من قتل كبلاني؟، ومن أجل مقاربة موضوعية لهذا الموضوع سجلت حينها الملاحظات التالية:
1-أن المجاهد سيدي ولد مولاي الزين نال بجدارة شرف المبادرة والتخطيط والقيادة لهذه الملحمة البطولية.
2-أن المجموعة المجاهدة التى نالت شرف التنفيذ ومباشرة العمل العسكري الميداني الذي أفضى إلى النتائج الباهرة المعروفة ،كان معظمها من إديشلي بفعل صفاتهم القتالية وكونهم مسلحين بما يعرف حينئذ ببنادق من نوع (لكشام) .
3-أن التقرير الطبي الذي أعده طبيب كبلاني الخاص أكد إصابته برصاصتين وقد حدد نوعهما.
4-أن أحمود ولد اعليه هو القاتل المباشر لكبلاني حسب الروايات المتواترة.
٥-أن كل المجاهدين الأبطال المشاركين في هذه العملية البطولية المفصلية في تاريخ المقاومة شاركو ا في قتل كبلاني، وكانوا كلهم مصرين على قتله بشكل مباشر؛وإنما الأعمال بالنيات ،ولسيدي ولد مولاي الزين أجرهم جميعا دون أن ينقص ذلك من أجورهم شيئا .
ومن باب الملاحظة والتذكير أسجل، أن لائحة المجاهدين الذين كان لهم شرف المشاركة في ملحمة تجكجه الجهادية ما تزال تثير بعض الإشكال،فهذا امحمد ولد بهناس وهو أحد المجاهدين المشاركين في تلك العملية البطولية يشطب اسمه من القائمة الذهبية التي من الله عليه بكونها منها رغم أنف من حذفوا اسمه لحاجة في نفس يعقوب؛وهذا ماجعل أحفاد هذا المجاهد يشعرون بالمرارة والأسف لموقف بعض الباحثين الذين ضربوا بعرض الحائط الوثائق التاريخية المكتوبة التي تركها المستعمر نفسه والروايات الوطنية المتواترة ؛ ومن الوثائق التي تشهد لذلك مايلي:
1-محضر محاكمة المجاهد الشهيد أحمد ولد أعميرة ولد أباه التي ترأسها النقيب افرير جان يوم 22-5-1905
A.N.M./E 1-8.
حيث كان ترتيبه الرابع حسب افرير جان نقلا عن الشهيد أحمد ولد أعميرة ولد أباه ، كما جاء في كتاب المؤرخ “عبد الله يدالي فال” :
PENETRATIONS COLONIALES ET RESISTANCES EN MAURITANIE, PAGE 243.
2- وقد وافقه الأستاذ سيدات بن الشيخ المصطفى رحمه الله تعالى في النقل المباشر عن محضر محاكمة افرير جان للشهيد أحمد ولد أعميرة ، وإيراد اسم امحمد ولد بهناس بعد الشرفاء مباشرة، أي رابع الكوكبة المجاهدة، في كتابه: “البرهان القاطع الجلي في ما ثبت عن تاريخ وأصل إديشلي”،ص 65، وعلق بقوله : هذا ما تضمنه التقرير الذي حرر في تحقيق مقتل كبلاني، انظر الملف تحت رقم:
E/1-88
،في الوثاذئق الوطنية الموجودة برئاسة دولتنا الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
3- ورود اسم امحمد ولد بهناس في كتاب (حياة سيدي ولد مولاي الزين جهاد ونضال) لمؤلفه سيدي بن محمد بن سيدي بن مولاي الزين ، بالترتيب نفسه، ص50، و في مقابلة مع صحيفة “تحاليل” التي يمكن الاطلاع عليها على موقع الصحيفة ذاتها:
Interview du petit fils de Sidi Ould MoulayeZein,Journal Tahalil 03-04-2006
4- ووافقهم الأستاذ محمد إبراهيم ولد الداه حيث أورد اللائحة نفسها وبالترتيب نفسه في محاضرة ألقاها بدار الشباب بكيفة بمناسبة الاحتفال بعيد الاستقلال الوطني ونشرها موقع مورينيوز 30-11-2016 الساعة 11:50وأحال إلى مجلة الوسيط الصادرة عن المعهد الموريتاني للبحث العلمي سنة 1996.
5-وحدثني الثقات عن ورود اسمه في مجلة كان يصدرها قطاع الجمارك باسم:
Le douanier déclare.
٦-وسيد الأدلة ذكر اسمه ضمن لائحة المجاهدين الذهبية، على لسان المجاهد المغوار المرحوم محمد ولد الصفره، “وما راء كمن سمعا”، في مقابلة أجراها معه الدكتور محجوب ولد بيه حيث أورد اسم امحمد ولد بهناس بالترتيب نفسه.
وقد لاحظت عبر الاستقراء أن كل الباحثين والمؤرخين الذين كتبوا عن هذا الموضوع قبل سنة 2011 أوردوا القائمة الذهبية لهؤلاء المجاهدين بالترتيب نفسه كذلك والأشخاص أنفسهم ، وكل القوائم التي تشطب اسم امحمد ولد بهناس كتبت بعد 2011 ؛فأين الوثائق التي استندت عليها في هذا الظلم البين.
ومن المحير أن قائمة المجاهدين المذكورة أعلاه تم سحبها من محضر افرير جان الموجود بالأرشيف الوطني لطمس الأدلة، ولكن بعد أن سارت بها الركبان.
وقد ناقشت الأخ الشريف مولاي أحمد ولد سيدي ولد مولاي الزين في هذا الموضوع منذ ما يزيد على عقد من الزمن،ولكنه كان مصرا على رفض كون امحمد ولد بهناس من بين هؤلاء المجاهدين؛ ولعل ما جعل الأمر يلتبس عليه أن أسرة أعلي ولد بهناس المجاهدة أنجبت بالإضافة إلى امحمد أخوين آخرين مقاومين شهيدين خاضا غمار المقاومة ،يدعى أولهما محمد أواو ولد اعلي ولد بهناس شهيد معركة أحسي الخشبة قرب يغرف ، ويسمى ثانيهما مولود ولد بهناس شهيد معركة أماطيل الشهيرة؛ وسأكون سعيدا لو اطلع الأخ الشريف مولاي أحمد على هذا البحث فلعل وعسى.
وبعد جدل طويل وبحث واستقصاء بدأنا نشهد بوادر إنصاف المجاهد امحمد ولد بهناس، منها :
١-إدراج اسمه في قائمة المجاهدين في نص من الشعر الحساني ، معتمد من رابطة تخليد بطولات المقاومة، من إنتاج الأديب محمد المختار ولد خوكه
وفيه يقول:
يـلـي فـيـك اغـبه كـاتـلـيـن
كـبـولانـي مـتـفـاصـليـن
هـومـه فـتـيـه وامـآمـنـيـن
بـالله الـمـالـو ثـانـي
كـانوفـامـحـيـرث آمنين
أمن الـصـايـل والـجـانـي
بـيـن اهـلـهـم وامـگـيـطـنـيـن
مـانـيـتـهـم شـي ثـانـي
وولـد مـولاي الـزيـن زيـن
ديـنـواوخـيـمـو فـوگـانـي
گـالـلـهـم گـومـو جـايـيـن
جـيـبـو روح الـنـصـرانـي
گـامـوفـثـرو متلازين
ويـل أمّك يـالـورانـي
سـيـدي قـايـد وابـلانـزاع
وإلل والـلو ذاك شـاع
أوشاع أن الـقـايـد مـاسـراع
فـالـمـشـي اوكـان إحـانـي
وال اعـلـيـه وافـذاك سـاع
صـبـرو اوهـوربـانـي
واحـمـود امـنـيـن الـگـاه طـاع
اونـقـلـوعـنـو يالفاني
وحـده مـن جـعـبـوگـاع ضـاع
بـيـه جـسـم الـعـدوانـي
كـبـولانـي وابـذاك صـاع
روحـو وابـگـه مـدانـي
يـخـي اوديـر اجـاش گـاع
بـيـه اللـي قـايـد ثـانـي
والـسـالـك وال الـدد ذاع
صـيتـو مـاهـومـتـحـانـي
اوهـوگـاع اللـي جـاي سـاع
ي اخـمـاسـيـت نـصـرانـي
وولدلـمـيلـح ذاك بـاع
نـفـسـومـن لـحـسـان
والـكـوري فـم أولارتاع
الـگـوم ألا سـيـانـي
وولاد اعـمـيـره عـايـديـن
أثلاثة بـيـه فـايـزيـن
احـمـدهـواللـي عـادمـيـن
لـعـدو مـن الـغـلـيـان
اومـحـمـدـ خـوه اوزايـديـن
سـيـداحـمـدخـوه الـثـاني
اومـحـمـدوال الـشـيـخ بـيـن
لـبـطـال اعـل تـفــان
وامـحـمـدبـن بـهـنـاس عـيـن
جـهـلـو جـهـل لـعـيـان
وولاداجـيـه الاثـنـيـن
مـحـمـدشـهـم اعـتـانـي
اوسـيـداحـمـدلـيـث اوجـايـبـيـن
انـومـن الـشـبـان
كـيـف أولاد أحمد
جـاديـن
اثـنـيـن امـن الـفـتـيـان
عـزامـيـن اومـشـاديـن
الـفـضـل اعـليـهـم بـان
خـطـاري فـم اوحـاسـبـيـن
رهـيـنـت كـبـولانـي
سـيـدي ذاك اللـي عـادعـيـن
للـغـــزي فـالـمـيـــــــــدان
وامـه لـثـنيـن الـثـانـيـيـن
حـاجـلـك لـخــوان
عـيـل سـيـدي مـتـمـاديـن
الـكـرم والـمـعــــــــــاني
مـوسـى عـدوه اوعـاديـن
خـوه انـدمـان اولان
نـاسـي كـنـت احـمـدذاك وال
هـنـون الـشـهـم الـمـايـكـل
اوال الـصـفــــره مـــگـط ذال
واحـمـدسـالـم فـوگـان
بـن عـرگـاب اولايـنـجـهـل
كـيـفـت عـبـدالـرحـمـان
وال الـعـبـد الـشـهـم اظـريـف
اوال لـفـرك ذاك اللـي ازديـف
لـعـدو مـاعـنـد فـيـه كـيـف
كـيـفـتـهـم مـول الـشــــــــان
وال احـويـرثـي مـاضـعـيـف
دورو فـيـهـم عـلـــــــــوانـي
اوال امـحـيمـد فـم ضـيـف
اوال ابـيـاه اوحـــــــــــــــان
كـانـي نـخـتـمـهـم باشـريـف
الـعـربـى بـن زيـــــــدانـي
واللـي مـزال الا اذريـــــــــف
الـدمـوع اولـحــــــــــــزان
والـرحـمـه والـغـفـران كـيـف
ت الـجـنـه والـرضــــــــــــوان
اويـجـمـعـن عـنـد الله ضـيـف
فـالـفـردوس الـفـوكـــــــــان
والـصـلاة اعـل إمام طـيـف
الـرسـلـه كـل أزمان.
٢-ظهور اسمه في القائمة المتداولة أخيرا في بعض النشاطات المتعلقة بتخليد ملحمة تجكجه.
٣-تكريم المجاهد امحمد ولد بهناس من طرف الرئيس السابق لرابطة تخليد بطولات المقاومة أعلي الشيخ ولد الحضرامي، ضمن كوكبة المجاهدين المشاركين في معركة تجكجه التاريخية.
و صفوة القول أن من الخطيئة أن يغمط أحد المجاهدين حقه الذي شرفه الله بدفع ثمنه جهادا في سبيل الله وذودا عن حياض الوطن، وشهد له به المستعمرون أنفسهم، والحق ما شهدت الأعداء ، وأما إنكار ذوي القربى لأسباب غير مفهومة ؛ فأقول لهم: قديما قال الشاعر :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة @على المرء من وقع الحسام المهند.
الباحث والدبلوماسي محمد ولد كلاي