صفحات مشرقة من مقاومة شيخنا أحمد حماه الله ، بقلم الباحث حدو ولد الحسن

مقاومة الشيخ أحمد حماه الله للاستعمار الفرنسي
بقلم : حدو ولد الحسن
بداية الصدام مع الاستعمار
سوف نتحدث هنا عن مرحلة الصدام بين شيخنا والمستعمِر الفرنسي، لنرى كيف تم استهداف الشيخ حماه الله وظلمه من طرف الفرنسيين الذين رأوا فيه وفي دعوته الخطر الأكبر على مصالحهم في المنطقة. وقد دفعهم ذلك الخوف إلى إبعاده عن داره وأسرته وتلامذته لمدة تجاوزت عشر سنوات.
من الواضح أن الموقف الحازم والنهج الممانع الذي اتخذه الشيخ تجاه سلطة الاستعمار الفرنسي كان قويًا ومؤثرًا، مما جعلهم يصنفونه ضمن أخطر المقاومين لفرنسا في هذه البلاد. وقد سبق أن أوردنا التقرير التفصيلي الذي أعده المسؤول الفرنسي “دسميه” لرئيسه الحاكم “أترانسون دفجير” ليُرفَع بدوره إلى الحاكم العام بداكار، مقترحًا إلقاء القبض على الشيخ ونفيه عشر سنوات إلى مدينة المذرذرة.
كما يؤكد الرائد الفرنسي المكلف بالشؤون الإسلامية في إفريقيا الغربية الفرنسية آنذاك “آندريه” في تقريره أن الشيخ تربطه صلات قوية بقوى إسلامية تحررية خارج البلاد، حيث يقول:
“إن الشيخ حماه الله تربطه علاقة مع سوكوتو، وتربطه علاقات متميزة مع المهديين في السودان، ومع الشبان المصريين الذين يتلقون بدورهم مساعدات من جهة بعيدة أخرى.”
واتهمه الفرنسيون كذلك بالارتباط بالمقاومة الجزائرية، وخاصة بالزاوية التجانية في تلمسان التي ساندت المجاهد عبد القادر الجزائري. ففي رسالة لحاكم أنيورو “نيمو” بتاريخ 20 أبريل 1925م يقول:
“الشريف حماه الله يستجيب لأي استدعاء، ولكن لا نراه دون دعوة. وقد استطعت استدعاءه عند استلامي مهامي رغم أن العرف يقتضي زيارة الوجهاء لنا. وفي عيد رأس السنة لاحظنا غيابه، وعندما أبديت استغرابي قال إنه يجهل الأعياد الفرنسية. ويُعدّ طريقه امتدادًا للتجانية الإحدى عشرية التلمسانية التي ساندت مقاومة الشيخ عبد القادر الجزائري.”
وهكذا بدأ حكام الاستعمار، بعد أن لاحظوا ابتعاد الشيخ عنهم وعدم اكتراثه بسلطتهم، يدرسونه من مختلف الجوانب، ويدسون له المؤامرات، ويبثون الشائعات حوله، ويخططون للانقضاض عليه. وقد جاء في تقرير (ابريفه) مفتش الشؤون الإدارية بتاريخ 3 شتمبر 1917م قوله:
“لقد شاهدت الشيخ حماه الله فبدا لي هادئًا ومتزنًا، ولا يرغب كثيرًا في أن يُعرف من طرفنا. يتحدث قليلًا ويستمع باهتمام، ويرفض عبارات الولاء. تحدثت له عن فرنسا كقوة إسلامية حامية للإسلام فلم يغير ذلك شكّه. وبدا لي أنه يشمئز من تحالف شريف مكة مع فرنسا أثناء الحرب الكبرى. وملاحظتي عنه لم تكن مشجعة؛ إنه شخصية مغلقة متحفظة، ويبدو تحت قبضة فكرة ثابتة.”
وقد صدق ابريفه –وهو كذوب– في قوله “تحت قبضة فكرة ثابتة”، فهذه الفكرة الثابتة تتلخص في إصرار الشيخ على عدم التعامل مع المستعمر بأي شكل من أشكال التعامل، ورفضه الاعتراف بأحقية الكافر في التسلط على المسلمين، انطلاقًا من قول الله تعالى:
• ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾
• ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾
• ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾
ومع ذلك فقد كان الشيخ يدرك فقه المرحلة، وأن مقاومة الكفار بالسيف مباشرة غير ممكنة لما يترتب عليها من مفاسد كبيرة، من قتل المسلمين وإثارة الفتنة وخراب البلاد. كما أن الهجرة –التي أفتى بها بعض العلماء آنذاك– لم تكن ممكنة لأسباب عديدة؛ أبرزها أن غالب بلاد المسلمين كانت هي الأخرى ترزح تحت الاحتلال.
ولم يبق إلا نهج الممانعة السلمية الظاهرة، القائمة على الثبات على المبادئ دون مساومة، وهذا ما اختاره الشيخ حماه الله. فقد رفض جميع مغريات الفرنسيين، كما رفض التعامل معهم رفضًا باتًا، وإن كان يخضع لسلطتهم التنظيمية ويدفع الضرائب ويستجيب إذا استدعوه.
ويقول علي تراوري:
“لقد عُرف عن الشيخ حماه الله بعده ورفضه القاطع للتعامل مع المستعمر، إذ حاولوا بشتى الوسائل استمالته بالعطاءات والخدمات، لكنه رفض ذلك كله. وهذا ما يفسر حقدهم عليه وتربصهم به، كما يتجلى رفضه في منعه أبناءه من دخول مدارسهم، وعدم اعترافه بشرعية سيادتهم، مما جعله عدوًا لدودًا لهم وحجر عثرة أمام نفوذهم.”
من كتاب :
شيخنا حماه الله حياته ومقاومته للفرنسيين
تأليف حدو ولد الحسن